الاثنين، 27 مايو 2013

استشكالٌ وجوابه (إعمالُ قواعد الجرحِ والتعديلِ في مرويات الصحابة والتابعين):

 استشكالٌ وجوابه (إعمالُ قواعد الجرحِ والتعديلِ في مرويات الصحابة والتابعين):
___________________
(السائل) :"لكن يحزنني عدوى التصحيح والتضعيف لأسانيد حكاياتهم وآثارهم بما ليس له متعلق بالحلال او الحرام المهم التفتيش السندي لكل شي وهذا بظني هوس مابعده هوس بل هذا أسميه محاربة وعداء لرجال وأعلام ديننا..هل نحن بحاجة الى تصحيح الآثار ولو لأن في بعض رواتها كذابين تحت أساس:((مامصلحة هذا الراوي المتهم بالكذب لأن يكذب بهذا الخبر او ذاك".
______________________
الجواب : هذا كلامٌ غير صحيحٍ البتة ، ولا يقوم على قدمٍ ولا ساقٍ .
واسمح لي ببعض الملاحظات ، بارك الله فيك :
1-زعمت (عدوى التصحيح والتضعيف)، وهذا فيه غمزٌ لأعلام هذه الصنعة من المحدثين ، والباحثين في هذا العلم العظيم ، من القرن الأول إلى قرننا هذا ، فكيف توصف ، المنهجية العلمية الرصينة ، عند أهل الاختصاص والشأن ، بأنها :(عدوى) ؟!.

2-زعمت(أن هذه الآثار ليس لها متعلق بالحلال والحرام) ! وأنا أجيبك : أن الدين كله سواء ، قائمٌ على قدمٍ وساقٍ _كما قال الشوكاني وغيره_، لأنه إن لم يك في (الأحكام) ، فسيكون في (العقائد) وهي تعلو الأولى في الرتبة والمنزلة ، لأنها تتعلق (بحق الله رب العالمين، وتوحيده ، ومتعلقات الإيمان به وبرسله ، وبغيره من جنس الأمور الغيبات) .
وإن كنت تقصد :(الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال) ، فالعلماء يحذون فيها بضوابط رصينة ، لا تخرج عن إطار الثبوت والاحتجاج بآثارٍ صحيحةٍ _في الجملة_ وهذا محل اتقاقٍ بينهم _أعني: المحدثين_.

3-زعمت أن هذا :(هوس) ، فأقول لك أخي الكريم : اتقي الله ، فأنت من حيث لا تدري ! قذفت أعلام المحدثين وأهله ، على مدار قرونٍ مديدةٍ ، بأن ما سلكوه هذا ؛ (هوس) ، وهذه جرأةٌ عجيبةٌ منك !
4-زعمت قائلاً :(هل نحن في حاجةٍ إلى تصحيح مثل هذه الآثار، ولو في أسانيدها رواةٌ كذابون) ! نعم نحن في حاجةٍ فرضيةٍ وجوبية إلى مثل هذا ، فهذا أمرٌ ، يفرضه العلم ، ويوجبه الشرع .
أما قولك :(ولو رواتها كذَّابون متهمون) ! نعم ، لأن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال _في الحديث المتواتر_ :"من كذب عليَّ متعمداً ؛ فليتبوأ مقعده من النار" ، وفي رواية :"من قال عنِّي ما لم أقل ؛ فليلج النار" .

كذا أيضاً ، ينبغي علينا إعمال القواعد فيما ينقل عن الصحب الكرام ، والتابعين وغيرهم من الأعلام لأمرين :
الأول : لأن الصحابة رضوان الله عليهم ، والتابعين ، أقوالهم يفهم بها الشرع ، ويحتج بمجموعها واتفاقها . وإجمالاً أقوالهم لها مكانةٌ عظيمةٌ في الاحتجاج ، ونفوس المحتجين معاً.

ثانياً : لا ينبغي أن ينسب إلى قائلٍ قولاً لم يقله ، وهو أن كان أقل خطورة وحرمة في (التساهل في النقل عن الجناب النبوي) ؛ إلَّا أنه لا تقل أهمية ثبوت أقوالهم عموماً _أي : الصحابة والتابعون_ ، في دروب الشريعة وعلومها ، في الاحتجاج ، والفصل في النزاع ، وضبط المفاهيم ، وهذا كله ، يحتاج إلى صحة الإسناد أولاً ، ثم الاستدلال بالقول ثانياً ، وإلَّا يعد خرقاً لمنهجية البحث العلمي الشرعي الرصين.

ثم لا بأس أن يُتساهل في النقل عنهم _نحو ما ذكرت_ [أي : في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال] ، ولكن لا يصل الأمر إلى التساهل في النقل ، حتى عن الكذابين والوضاعين والمتهمين ، وسائر هؤلاء الحمقى والمغفلين ، بل تقبل أقوالهم _ في رأيي_ ، عند إنزالها منزلة العمل بالحديث الضعيف عند الجمهور بشروطه المشهورة ، هذا مع بيان درجة الإسناد على الراجح.

وفي عجالةٍ _أخي الطيب_ أنصحك بمطالعة "مقدمة الإمام مسلم" فهي نافعةٌ شافيةٌ ، كاشفةٌ لهذه الحجب ، بإذن الله تعالى.

واعتذر عن (التوسع) قليلاً ، ولكن أردت أن تكتمل الصورة ، والله المستعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق